( بقلمي )
كانت الساعة المعلقة على حائط المكتب تشير إلى التاسعة والنصف عندما وصل السيد ماهر فاتحا باب المكتب برفسة من رجله, توقف الحديث الذي كان دائرا بين زملائه في تلك اللحظة, عندها حياهم السيد ماهر بإيماءة فاترة من يده دون أن ينبس ببنت شفة, رد عليه زملاؤه تحيته بتحية أفتر منها .
جلس متهالكا بكرشه الكبير الذي يشبهه زملاؤه بالقربة وراء مكتبه, نادى الساعي بأعلى صوته: عبدو ....... أين القهوة أيها الكسول؟
مرت لحظات صمت ليدخل بعدها الساعي المسكين حاملا فنجان قهوة قد كسرت عروته واضعا إياه في صينية يبدو عليها وكأنها شهدت حرب البسوس .
- تفضل يا أستاذ ماهر، قهوتك سادة مثلما تحب بالضبط, وحاول أن يتكلف ابتسامة باهتة علها تكون له شفيعا من سطوة لسانه .
- غمغم السيد ماهر بكلمات غير مفهومة استشف منها الساعي المسكين عدم رضاه عن خدماته فانسحب بهدوء قبل هبوب العاصفة.
أخذ رشفة طويلة بصوت تقشعر له الأبدان , وتمطق بفمه قليلا وهو يستشعر بطعمها المر في فمه ثم أخرج علبة سجائره وأخرج منها لفافة وألقاها برمية متقنة في فمه الذي اصفرت أسنانه من طول الإهمال .
نفث نفسا طويلا من دخانه المقزز ليملأ غرفة المكتب الضيقة بدخان رمادي خانق, عندها قام زميله السيد أمجد متأففا ليفتح النافذة اليتيمة في المكتب والتي يخيل إلى الناظر إليها أنها نافذة سجن, انتفض السيد أمجد وهو يسمع زعيقا من ورائه: أتريد أن تقتلنا من البرد؟ اقفل النافذة أيها التعيس !
رد بصوت أقرب إلى الهمس: هذا إن لم نلق حتفنا بدخانك المقيت.
رمقه السيد ماهر بنظرة شزراء جعلته يسارع بقفل النافذة قبل أن يخرج كلمة أخرى من كلماته المعهودة وتراجع وراء مكتبه مفضلا السلامة .
مرت دقائق ثقيلة مشحونة بالتوتر قبل أن يدخل احد زملائهم من المكتب المجاور مبتسما وهو يمد يده إلى السيد أمجد قائلا: مبارك عليك السفر والترقية يا سيد أمجد والله فرحت لك وأنا ..........
قطع كلامه بصوت السيد ماهر وهو يهدر هائجا: يعني هو أول وإلا آخر شخص يفوز بمهمة سفر في هذا العالم التعيس؟ خلاص فضوا هذا المولد الذي لم ينته.
تركزت كل الأنظار عليه وهو واقف بكرشه الضخم وشاربيه المنفوشين وربطة عنقه التي تصل إلى منتصف صدره وقد بانت عليه سمات الحسد واللؤم واضحة لا لبس فيها.
صاح في وجوههم: ما لكم ؟ فيم تحملقون أيها الأوغاد؟
انسحب تعيس الحظ ذلك وعلامات الدهشة قد ألجمت لسانه عن الرد وظهرت علامات الاحتقار على كل من في المكتب من هذا التصرف اللئيم وأشغل كل واحد منهم نفسه بأكوام من الملفات الموضوعة على كل مكتب.
مرت بعدها دقائق أخرى في فتور ودعة قطعها صوت تجشؤه المقزز فلما لم يلق منهم التفاتا مرت بنفسه فرحة خفية بالنصر على أولئك الحمقى الذين يزاحمونه على فرص العمل .
فجأة سمع صوت زميلتهم هدى وهي تدخل المكتب مازحة : أمجد .... أين وليمة السفر؟ ما شاء الله سنة سفر بحالها وتبخل علينا بكعكة أو مشروب ؟؟
والله ما يغلى عليكم أيها الرفاق سأنزل الآن وأحضرها لكم .
- زمجر السيد ماهر من وراء مكتبه إن شاء الله الوليمة نأكلها في وفاتك أيتها المتملقة الغبية , أما في هذه الدنيا غير هذا الموضوع تفرحون به أمامي ؟ أنا كنت أحق بهذه السفرة لأني أقدم منه وأنا ا ..........
عندها ولت الزميلة المسكينة على عقبيها وهي تقول: أعوذ بالله من هذا الحسود، ربي يكون بعونكم يا من تشاركونه هذه الغرفة المقززة، واستمرت بالكلام إلى أن ابتلع الممر الطويل صوتها .....
- وقف السيد ماهر متوعدا والزبد يتطاير من شدقيه: أقسم بأن أول من يدخل هذا المكتب بمثل هذا الكلام المتملق ليغيظني، أقسم أنني سأرميه بهذا الفنجان الغبي.
حاول السيد طارق زميلهم الأخر بالمكتب ترطيب الجو قائلا: يا أستاذ ماهر أنت الخير والبركة وإن شاء الله ستأتيك أنت أيضا فرص أفضل للسفر والترقية و ....
قاطعه السيد ماهر قائلا : وفر كلامك المعسول هذا لمن تتملقهم وتتقرب إليهم من المدراء لتحصل على نصيب غيرك من الفرص.
سكت السيد طارق مذهولا من شدة سواد هذا القلب الذي لا يعرف اللين ولا الحب وكأنه قلب يهودي وغذي من لبن الشيطان بذاته .
مرت دقائق أخرى ثقيلة قبل أن يسمع صوتاً أخر آتيا من آخر الممر تبدو عليه رنة البهجة وهو يقول: مبارك عليك السفر يا أستاذ أريد بشارتي... مبارك .
تأهب السيد ماهر ممسكا ً بالفنجان في يده تنفيذا لقسمه، وتركزت الأنظار كلها على باب المكتب ليروا من هو تعيس الحظ الذي سينال شرف استقبال الفنجان على رأسه، وما أن فتح باب المكتب وبان منه ظل الداخل حتى كان الفنجان في طريقه إلى هدفه تماما وكأن صاحبه متمرس في القنص والتصويب وقد حشرج في نفس اللحظة صوت السيد ماهر صائحا هائجا: اخرج أيها القذر الوضيع لا نريد سماع المزيد من أخبار السفر والمكافآت اخرج أيها الـ ..... . .
عندها انعقد لسانه فقد كان الداخل هو السيد المدير العام بنفسه, حملق الجميع إليه وقد انكسر الفنجان على رأسه الأصلع الأشيب وملأت بقايا القهوة وجهه وثيابه وقد اختلطت بخيط رفيع من الدم .
كان يحمل في يده رسالة مأمورية بالسفر للسيد ماهر إلى الخارج ومعها ترقية تشجيعية محترمة والذهول والغضب و الدهشة قد علت تقاسيم وجهه.
عندها وقف السيد ماهر الحسود وقد ألجم الخوف والرعب لسانه فقد تحطم مع ذلك الفنجان أي أمل له بالسفر بل تحطم معه أيضا أي أمل بالسماح له بالبقاء في هذه الشركة وتمنى في لحظات خاطفة من التفكير لو انه بعد طرده الاكيد سيجد من يمن عليه حتى بوظيفة ساع في اي مكان على وجه الأرض ....
كانت الساعة المعلقة على حائط المكتب تشير إلى التاسعة والنصف عندما وصل السيد ماهر فاتحا باب المكتب برفسة من رجله, توقف الحديث الذي كان دائرا بين زملائه في تلك اللحظة, عندها حياهم السيد ماهر بإيماءة فاترة من يده دون أن ينبس ببنت شفة, رد عليه زملاؤه تحيته بتحية أفتر منها .
جلس متهالكا بكرشه الكبير الذي يشبهه زملاؤه بالقربة وراء مكتبه, نادى الساعي بأعلى صوته: عبدو ....... أين القهوة أيها الكسول؟
مرت لحظات صمت ليدخل بعدها الساعي المسكين حاملا فنجان قهوة قد كسرت عروته واضعا إياه في صينية يبدو عليها وكأنها شهدت حرب البسوس .
- تفضل يا أستاذ ماهر، قهوتك سادة مثلما تحب بالضبط, وحاول أن يتكلف ابتسامة باهتة علها تكون له شفيعا من سطوة لسانه .
- غمغم السيد ماهر بكلمات غير مفهومة استشف منها الساعي المسكين عدم رضاه عن خدماته فانسحب بهدوء قبل هبوب العاصفة.
أخذ رشفة طويلة بصوت تقشعر له الأبدان , وتمطق بفمه قليلا وهو يستشعر بطعمها المر في فمه ثم أخرج علبة سجائره وأخرج منها لفافة وألقاها برمية متقنة في فمه الذي اصفرت أسنانه من طول الإهمال .
نفث نفسا طويلا من دخانه المقزز ليملأ غرفة المكتب الضيقة بدخان رمادي خانق, عندها قام زميله السيد أمجد متأففا ليفتح النافذة اليتيمة في المكتب والتي يخيل إلى الناظر إليها أنها نافذة سجن, انتفض السيد أمجد وهو يسمع زعيقا من ورائه: أتريد أن تقتلنا من البرد؟ اقفل النافذة أيها التعيس !
رد بصوت أقرب إلى الهمس: هذا إن لم نلق حتفنا بدخانك المقيت.
رمقه السيد ماهر بنظرة شزراء جعلته يسارع بقفل النافذة قبل أن يخرج كلمة أخرى من كلماته المعهودة وتراجع وراء مكتبه مفضلا السلامة .
مرت دقائق ثقيلة مشحونة بالتوتر قبل أن يدخل احد زملائهم من المكتب المجاور مبتسما وهو يمد يده إلى السيد أمجد قائلا: مبارك عليك السفر والترقية يا سيد أمجد والله فرحت لك وأنا ..........
قطع كلامه بصوت السيد ماهر وهو يهدر هائجا: يعني هو أول وإلا آخر شخص يفوز بمهمة سفر في هذا العالم التعيس؟ خلاص فضوا هذا المولد الذي لم ينته.
تركزت كل الأنظار عليه وهو واقف بكرشه الضخم وشاربيه المنفوشين وربطة عنقه التي تصل إلى منتصف صدره وقد بانت عليه سمات الحسد واللؤم واضحة لا لبس فيها.
صاح في وجوههم: ما لكم ؟ فيم تحملقون أيها الأوغاد؟
انسحب تعيس الحظ ذلك وعلامات الدهشة قد ألجمت لسانه عن الرد وظهرت علامات الاحتقار على كل من في المكتب من هذا التصرف اللئيم وأشغل كل واحد منهم نفسه بأكوام من الملفات الموضوعة على كل مكتب.
مرت بعدها دقائق أخرى في فتور ودعة قطعها صوت تجشؤه المقزز فلما لم يلق منهم التفاتا مرت بنفسه فرحة خفية بالنصر على أولئك الحمقى الذين يزاحمونه على فرص العمل .
فجأة سمع صوت زميلتهم هدى وهي تدخل المكتب مازحة : أمجد .... أين وليمة السفر؟ ما شاء الله سنة سفر بحالها وتبخل علينا بكعكة أو مشروب ؟؟
والله ما يغلى عليكم أيها الرفاق سأنزل الآن وأحضرها لكم .
- زمجر السيد ماهر من وراء مكتبه إن شاء الله الوليمة نأكلها في وفاتك أيتها المتملقة الغبية , أما في هذه الدنيا غير هذا الموضوع تفرحون به أمامي ؟ أنا كنت أحق بهذه السفرة لأني أقدم منه وأنا ا ..........
عندها ولت الزميلة المسكينة على عقبيها وهي تقول: أعوذ بالله من هذا الحسود، ربي يكون بعونكم يا من تشاركونه هذه الغرفة المقززة، واستمرت بالكلام إلى أن ابتلع الممر الطويل صوتها .....
- وقف السيد ماهر متوعدا والزبد يتطاير من شدقيه: أقسم بأن أول من يدخل هذا المكتب بمثل هذا الكلام المتملق ليغيظني، أقسم أنني سأرميه بهذا الفنجان الغبي.
حاول السيد طارق زميلهم الأخر بالمكتب ترطيب الجو قائلا: يا أستاذ ماهر أنت الخير والبركة وإن شاء الله ستأتيك أنت أيضا فرص أفضل للسفر والترقية و ....
قاطعه السيد ماهر قائلا : وفر كلامك المعسول هذا لمن تتملقهم وتتقرب إليهم من المدراء لتحصل على نصيب غيرك من الفرص.
سكت السيد طارق مذهولا من شدة سواد هذا القلب الذي لا يعرف اللين ولا الحب وكأنه قلب يهودي وغذي من لبن الشيطان بذاته .
مرت دقائق أخرى ثقيلة قبل أن يسمع صوتاً أخر آتيا من آخر الممر تبدو عليه رنة البهجة وهو يقول: مبارك عليك السفر يا أستاذ أريد بشارتي... مبارك .
تأهب السيد ماهر ممسكا ً بالفنجان في يده تنفيذا لقسمه، وتركزت الأنظار كلها على باب المكتب ليروا من هو تعيس الحظ الذي سينال شرف استقبال الفنجان على رأسه، وما أن فتح باب المكتب وبان منه ظل الداخل حتى كان الفنجان في طريقه إلى هدفه تماما وكأن صاحبه متمرس في القنص والتصويب وقد حشرج في نفس اللحظة صوت السيد ماهر صائحا هائجا: اخرج أيها القذر الوضيع لا نريد سماع المزيد من أخبار السفر والمكافآت اخرج أيها الـ ..... . .
عندها انعقد لسانه فقد كان الداخل هو السيد المدير العام بنفسه, حملق الجميع إليه وقد انكسر الفنجان على رأسه الأصلع الأشيب وملأت بقايا القهوة وجهه وثيابه وقد اختلطت بخيط رفيع من الدم .
كان يحمل في يده رسالة مأمورية بالسفر للسيد ماهر إلى الخارج ومعها ترقية تشجيعية محترمة والذهول والغضب و الدهشة قد علت تقاسيم وجهه.
عندها وقف السيد ماهر الحسود وقد ألجم الخوف والرعب لسانه فقد تحطم مع ذلك الفنجان أي أمل له بالسفر بل تحطم معه أيضا أي أمل بالسماح له بالبقاء في هذه الشركة وتمنى في لحظات خاطفة من التفكير لو انه بعد طرده الاكيد سيجد من يمن عليه حتى بوظيفة ساع في اي مكان على وجه الأرض ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق