الأحد، 19 سبتمبر 2010

ابي الحبيب




أبي الحبيب ...

بسم الله الرحمن الرحيم

لطالما امتلأت خزائن الأدب والشعر بما جادت به قرائح الناس حول الأم , تلك المخلوقة الرائعة التي ما من مخلوق إلا وأحس معها بذلك الإحساس الخفي اللذيذ من الأمان .
وما خلت امة من شاعر ينظم من اجلها الشعر أو من أديب يبدع من اجلها قصائد النثر حتى استوت في محبتها كافة الناس أبيضها وأسودها , أحمرها وأسمرها , ولكن كم سمعنا من الشعراء من يتحدث عن الأب؟؟ 


نعم انه الأب الذي عجزت حتى أحلام الشعراء عن التعبير عنه , وكيف لا يعجز الأدباء عنه وهو ذلك الكائن السامي الذي قد سما وارتفع حتى عجزت أعتى الملكات الشعرية عن سبر غوره ؟
كيف نتحدث عن إنسان قد امتلأ كمالا ً وجمالا ً ومحبة ً وعطفا ً ؟
أبي الحبيب ..... لا أعلم كلمات في هذا العالم الرحب قد تقترب حتى مجرد اقتراب من وصفك , ولا أعلم شيئا يكتب يحاكي تلك النظرة الحانية الصامتة التي أوعت الكلام كله في وعاء من الدفق الفياض من النور الدافئ. 


أبي ....
إن أهديتك كل كنوز الدنيا لتكون موطئا ً لقدميك فقد سبقتني بان جعلتني كنزك الثمين الذي طالما اعتززت به وفخرت.
إن أهديتك روحي فقد وهبتني قلبا صافيا قد جعلت نبضه ناقوس الأمان الذي لم أنم إلا على وقعه الحاني.
إن وهبتك دمي فقد أرقت من اجلي دمك وعرقك العطرين رخيصين وما أحسست بك .
إلهي .... بأي كلمات اصف إنسانا ً قد وصيتنا به لعلمك بما قد يصل إليه جحودنا معه , وما وصيته بنا لأنه ما من عاقل توصيه على روحه .
بأي كلمات اصف إنسانا ً ما قسا علي يوما إلا ورأيت وراء قسوته حنانا متدفقا يكاد يتفجر وراء كلماته ؟
إنها قسوة الجراح الذي ما نكأ جرحك إلا ليشفيك وما وضع فيك مبضعه إلا ليرقأ جراحك .....
أبي..... أكاد أذكرك صغيرا نائما على ذراعك القوية الدافئة التي لطالما آمنت بأنها تحميني من كل مخاوف هذه الدنيا , وأنت تسمعني أهزوجة لأنام وما سمعت أعذب منها حتى في الخيال ولا استطاع اقدر الشعراء على أن يأتوا بمثلها .
اذكر هذه الأوقات فتمر بي لحظات صبيانية أشتاق فيها إلى تلك اللحظات وادفع عمري لأعيش معها سويعات أخرى .
أذكرك أبي يوم وعكت فما رأيت دمعتك إلا حينها , تلك الدمعة التي استعصت على اشد صروف الدهر أن تستنزلها , ولكنك سخوت بها رخيصة ً ساخنة ً فداء ً لدموعي .
أراك الآن وقد لاحقتك السنون وألقت عليك بكلكلها فاحنت ظهرك بعد أن عجزت عن احناء راسك فتعاودني أفكاري الصبيانية وتجرني للبحث عن ينبوع الشباب لعله يكون حقيقة فأسوقه إليك .
كلما رأيت خطواتك الواهنة التي أضعفها سيرك دائبا من اجلنا مرت ببالي ذكرى مفقودة لفرحتك بخطواتي الأولى وأنت تمسكني من يدي الصغيرتين وتهدهدني .
أعجب الآن من هذا المخلوق السامي الذي لا يعرف إلا عطاء ً ومحبة ً لا حدود لهما وما انتظرت مني يوما شكرا ولا عرفانا , وكيف تنتظر مني شكرا و عروقك لا تجري فيها الدماء إلا بسعادتي ؟ وكيف تنتظر مني عرفانا وما امتلأ جيبي إلا بخواء جيبك ؟
إن كان للحب رائحة ً لكفى أريج حبك لتعطير الدنيا وما فيها , وان كان للحب صوتاً لطغى حبك على كل موسيقى في هذه الدنيا , وان قسمت حنانك على كل الخلائق لفاض وربا حتى ما عادت الناس تطيق الحنان , وكيف لا يفيض الحنان من قلب وكأنه خلق من الحنان ؟ وكيف لا يكفي الناس وقد صار قلبك هو الحنان بذاته ؟ فما نال احد حظا من الحنان إلا من فيض قلبك !!!
أبي الحبيب ...
أهديك قلبي ومهجتي وروحي فقط ببسمة على ثغرك المضيء


بقلمي وكنت كتبته لصالح منتدى وناسة الخليجي قبل وفاة والدي رحمه الله باسبوع واحد ضمن مسابقة ادبية وفاز بها بالترتيب الثاني

ليست هناك تعليقات: