الميكروسكوب النفقي الماسح
    Scanning tunneling microscope (STM)
  عندما نتحدث عن الميكروسكوب فان اول ما نفكر به هو جهاز الميكروسكوب الذي نعرفه في  مختبرات المدراس والذي يعمل بتكوين صورة ضوئية عن العينة المراد النظر لها بشكل  مكبر، ومع تقدم العلم وتطوره اصبح بالإمكان ان نحصل على تكبير يفوق أي توقع. في  بدايات القرن العشرين مع اكتشاف الفيزياء الحديثة والخاصية المزدوجة للإشعاع  الكهرومغناطيسي والجسيمات المادية ونظرية ميكانيكا الكم التي تدرس الاجسام على  المستوى الذري الدقيق اصبح بالإمكان تصميم ميكروسكوب يعمل على التكبير بدرجة عالية  جدا تصل الى مئات الاف المرات وهي تعتمد على استخدام موجة الالكترون وقد تحدثنا عن  الميكروسكوب الالكتروني الماسح SEM والميكروسكوب  الالكتروني النافذ TEM وتوالت  الاكتشافات ليظهر لنا في العام 1981 ميكروسكوب جديد من حيث فكرة عمله ومن حيث  امكانياته وقدراته واستخداماته المتنوعة هذا الميكروسكوب يعرف باسم الميكروسكوب  النفقي الماسح scanning  tunneling microscope او STM.
  يعتبر جهاز الميكروسكوب النفقي من الاجهزة الاساسية في علم النانوتكنولوجي والذي  ساعد في دراسة المواد على المستوى الذري وفي بناء وفحص التراكيب النانوية. وتعتمد  فكرة عمله على مبدأ النفق الكمي quantum  tunneling.  فعندما يقترب طرف المجس الموصل للكهرباء والذي يعرف باسم tip من  السطح المراد فحصه يطبق فرق جهد بين السطح وطرف المجس tip يسمح  بمرور الالكترونات من خلال نفق في الفراغ بينهما. تيار الالكترونات هذا تعرف باسم  التيار النفقي tunneling  current.  يعتمد التيار النفقي على موضع المجس بالنسبة للسطح وعلى فرق الجهد المطبق وعلى  الكثافة الموضعية للعينة.
   في هذا المقال من كيف تعمل الاشياء سوف نقوم بشرح فكرة عمل جهاز الميكروسكوب النفقي STM وانماط  تشغيله كما سوف نتعرف على الاجهزة التي تعمل على نفس فكرة عمله.
   صورة توضح سلسلة من ذرات Cs الحمراء  على سطح GaAs
   صورة لسطح نظيف من الذهب بواسطة جهاز STM
   صورة STM لسلسلة  جزئيات تجمعت بشكل ذاتي لشبه موصل عضوي على الجرافيت
  الميكروسكوب النفقي الماسح والذي اسمه العلمي scanning  tunneling microscope والذي  يعرف بالاختصار STM هو  اداة قوية للحصول على صور لأسطح المواد على المستوى الذري. تم اختراع هذا الجهاز في  العام 1981 على يدي العالمين Gerd  Binnig و Heinrich  Rohrerفي  شركة IBM.  وحصلا على جائزة نوبل في عام 1986 لاختراعهما  هذا الجهاز الذي سمح لأول مرة برؤية الذرة وفي الابعاد الثلاثة. يتمتع جهاز STM بقدرة  تحليلية عالية تصل إلى 0.1nm وعمق  يصل الى 0.01nm.  وبهذه القدرة التحليلية العالية يمكن ان نحصل على صور للذرات داخل المواد هذا  بالإضافة الى التحكم في الذرات وتحريكها.
  المعلومات التي نحصل عليها من جهاز STM هي  مراقبة التغير في التيار النفقي عند مسح سطح العينة بالمجس وتعرض البيانات في شكل  صورة. يتطلب تشغيل جهاز STM درجة  عالية من النظافة والاستقرار للسطح ولهذا يتم تشغيل الميكروسكوب في مفرغة هواءvacuum  chamber ويكون  المجس حاد جدا بحيث يكون طرفه بسمك ذرة او ذرتين، ويتصل المجس بأجهزة تحكم دقيقة  لتحريكه في الابعاد الثلاثة بالنسبة للعينة وتستخدم ايضا الكترونيات متطورة لرصد  التيار وترجمة التغيرات فيه الى صورة.
   العالم Heinrich  Rohrer على  اليسار والعالم Gerd  Binnig على  اليمين في مختبرات شركة IBM توضح  اول جهاز STM تم  تصميمه في العام 1981 وحصلا على جائزة نوبل لهذا الاختراع في 1986. الجهاز الذي مكن  العلماء لاول مرة من رؤية الذرات في المادة والتحكم فيها ليكون جهاز بناء التراكيب  النانوية وفحصها.
   تركيب الجهاز
  يشمل تركيب جهاز STM على  المجس الماسح tip وماسح  يعمل بالكهرباء الانضغاطية piezoelectric للتحكم  في الارتفاع وفي الابعاد السطحية x و y،  وجهاز التحكم في المسافة بين مجس المسح وسطح العينة، ونظام العزل من الاهتزازات،  وكمبيوتر.
   مخطط يوضح كيف يعمل جهاز STM
  تعتمد القدرة التحليلية لجهاز STM على  نصف قطر تحدب المجس الماسح tip. ويلعب  المجس الماسح دورا اساسيا في الحصول على صورة نقية وتبلغ دقة المجس الماسح درجة  متقدمة وذلك حين تحتوي نهايته على ذرة واحدة فقط. فاذا كانت بسمك ذرتين فقد نحصل  على صورتين معا مما يشكل زيغ في الصورة المتكونة ولضمان الحصول على ذرة في نهاية  المجس فقد استخدمت لهذا الغرض انابيب الكربون النانوية للحصول على مجسات ماسحة لعمل  الجهاز.
  يصنع المجس الماسح من مادة التنجستين او من البلاتينيوم والاريديوم او الذهب.  تستخدم طريقة النحت الكهروكيميائيelectrochemical  etching في حالة  مجسات التنجستين بينما تستخدم طرق ميكانيكية في حالة المجسات المصنوعة من  البلاتينيوم والاريديوم.
  ونظرا لحساسية التيار النفقي البالغة للتغير في الارتفاع، يجب عزل المجس عن  الاهتزازات او تثبيت الجهاز على قاعدة صلبة للحصول على نتائج مفيدة. في اول جهاز STM صمم  بواسطة العالمين Binnig و Rohrer استخدمت  رافعة مغناطيسية للحفاظ على الجهاز بعيدا عن أي اهتزازات، والان تستخدم زنبركات  ميكانيكية او زنبركات غازية. كما يتم ايضا استخدام وسائل للتقليل من التيارات  الدوامية eddy  currents.
  للحفاظ على موضع المجس بالنسبة للعينة والتحكم في عملية مسح سطح العينة بالمجس  والحصول على البيانات يتم استخدام كمبيوتر. كما ان الكمبيوتر يستخدم لتحسين الصورة  باستخدام برامج معالجة الصورة والقيام بالقياسات الكمية على العينة.
   كيف يعمل جهاز STM
  في البداية يطبق فرق جهد على المجس الماسح ليتحرك عموديا في اتجاه سطح العينة  وعندما يصبح على بعد مسافة صغيرة جدا من سطح العينة يتوقف المجس. تبدأ بعد ذلك  مرحلة التحكم الدقيق في حركة المجس في الابعاد الثلاثة بالقرب من العينة ويستخدم  بيزوالكترك للحفاظ على المسافة ثابته بين المجس والعينة في حدود 4 الى 7 انجستروم.  في هذه الحالة يعمل فرق الجهد على دفع الالكترونات للتحرك النفقي بين رأس المجس tip والعينة،  مما ينتج عنه تيار نفقي يمكن قياسه. عندما يبدأ التيار النفقي يمكن تغيرموضع رأس  المجس بالنسبة لسطح العينة ويتم رصد التغيرات في التيار النفقي الناتج.
  اذا تحرك رأس المجس عبر العينة في المستوى x-y،  فان التغيرات في ارتفاع السطح وكثافته تحدث تغيرات في التيار النفقي. هذه التغيرات  يتم رصدها ورسمها في شكل صورة. ويمكن ان تتم عملية رسم الصورة اما من خلال قياس  التغيرات في التيار النفقي بالنسبة لسطح العينة عند ارتفاع ثابت بين رأس المجس  والعينة او من خلال رصد التغير في الارتفاع z عند  جعل التيار النفقي ثابت من خلال تغير ارتفاع رأس المجس بالنسبة لسطح العينة. وهذين  النمطين من انماط التشغيل يعرف باسم نمط الارتفاع الثابت constant  height modeأو  نمط التيار النفقي الثابت . في نمط التيار الثابت تقوم اجهزة التغذية العكسية  الالكترونية باعادة ضبط ارتفاع رأس المجس من خلال تعديل قيمة الجهد على  البيزروالكتريك الذي يتحكم في الارتفاع. وهذا يؤدي الى الحصول على التغيرات في  الارتفاع. الصورة التي نحصل عليها من رأس المجس هي صورة تضاريس سطح العينة وتعطي  كثافة شحنة سطحية ثابتة وبالتالي فان التباين في الصورة يكون نتيجة للتغيرات في  كثافة الشحنة.
  في نمط الارتفاع الثابت يتم تثبيت كلا من فرق الجهد والارتفاع في حين يتم قياس  التغيرات في التيار النفقي خلال مسح رأس المجس لسطح العينة، وهذا يؤدي الى الحصول  على صورة للتغيرات في التيار النفقي على السطح، والتي ترتبط بكثافة الشحنة.
   مسح المجس لسطح العينية على المستوى الذري في جهاز STM
  كل الصور التي يتم الحصول عليها بجهاز STM هي  صورة بتدرجات رمادية وللحصول على صورة ملونة يتم استخدام برامج كمبيوتر لابراز  الميزات المهمة المراد اظهارها في الصورة.
  بالإضافة الى عملية المسح لسطح العينة فان المعلومات التي ترصد بواسطة الاجهزة  الالكترونية تكون دالة في الموضع بالنسبة لسطح العينة وعند كل موضع على سطح العينة  يتم تغير الجهد الكهربي ورصد التغير في التيار. وهذه القياسات تعرف باسم طيف المسح  النفقي scanning  tunneling spectroscopy وتعرف  بالاختصار STS وينتج  عنها مخططات توضح كثافة المستويات كدالة في الطاقة داخلالعينة. وتتميز  تقنية STM عن  اجهزة قياس كثافة المستويات في قدرتها على اخذ قياسات موضعية بشكل دقيق، فعلى سبيل  المثال يمكن قياس كثافة المستويات في موضع يوجد فيه شوائب في العينة ومقارنتها مع  موضع اخر لا يوجد فيه شوائب على نفس سطح العينة.
   في العام 1989 كتب العالمين Eigler  and Schweizer اسم  شركة IBM بالذرات  باستخدام 35 ذرة زينون على سطح النيكل
   عرض فيديو يوضح فكرة عمل المجس الماسح في الميكروسكوب النفقي الماسح
  وهذا ايضا
   استخدامات اخرى لجهاز STM
   صورة توضح شعار مركز علوم النانو CeNS كتب  بواسطة الذرات باستخدام جهاز STM
  العديد من اجهزة الميكروسكوب تم تطويرها بالاعتماد على فكرة عمل جهاز الميكروسكوب  النفقي STM.  ومن هذه الاجهزة جهاز ميكروسكوب الماسح الفوتوني photon  scanning microscopy والذي  يعرف بالاختصار PSTM،  ويستخدم مجس ضوئي tip ليشكل  النفق الذي تنتقل عبره الفوتونات، وجهاز ميكروسكوب الجهد النفقي الماسح scanning  tunneling potentiometry والذي  يعرف بالاختصار STP،  والذي يقوم بقياس الجهد الكهربي عبر العينة، وجهاز ميكروسكوب غزل الاستقطاب النفقي  الماسح spin  polarized scanning tunneling microscopy والذي  يعرف بالاختصار SPSTM والذي  يستخدم مجس فرومغناطيسي ليعمل كنفق للإلكترونيات المغزلية المستقطبة في المجال  المغناطيسي للعينة، وجهاز ميكروسكوب القوة الذرية atomic  force microscope والذي  يعرف بالاختصار AFM والذي  فيه يتم قياس القوة الناتجة عن التفاعل بين المجس وسطح العينة على المستوى الذري.
  الطرق الاخرى من STM تقوم  على فكرة التحكم في المجس ليحدث تغيرات في طبوغرافيا سطح العينة. وهذه الطرق جذبت  العلماء لعدة اسباب وهي:
   اولا يمتلك  جهاز STM على  نظام دقيق لتحديد الموضع على المستوى  الذري مما يسمح بالتحكم في الذرات بشكل دقيق.
   ثانياً بعد  ان يتم تعديل سطح العينة باستخدام المجس الماسح يمكن اخذ صورة للسطح الجديد بنفس  المجس الماسح بدون ان يتم تغير الجهاز.
  وبهذا تمكن باحثون في شركة IBM من  تطوير طريقة للتحكم في ذرات الزينون على سطح النيكل. وهذه الطريقة استخدمت لتطويق  الالكترونات حول عدد من الذرات، والتي مكنت جهاز STM من  استخدامه لمراقبة تذبذبات الالكترونات والتي تعرف باسم electron  Friedel Oscillations على  سطح المادة. كما يمكن استخدام تقنية STM كنفق  لشعاع الكتروني موجه على عينة لعمل طباعة ذرية lithographyعلى  سطح العينة. وهذه تعتبر تقنية متقدمة كثيرا عن تقنية الطباعة بالشعاع الالكتروني  التقليدية. ومن التطبيقات العملية لجهاز STMاستخدامه  في ترسيب ووضع الذرات مثل الذهب والفضة وغيرها على شكل مفضل مبرمج مسبقا لعمل  الوصلات الكهربية للأجهزة النانوية او حتى لصناعة اجهزة نانوية بالكامل.
   صورة الرجل الجزئي والذي طوله 45 انجستروم والتي تم بناؤها باستخدام 28 جزئ اول  اكسيد الكربون على سطح من البلاتينيوم.
  مؤخرا مجموعة من الباحثين تمكنوا من استخدام مجس STM للتحكم  في اتجاه الروابط بين الجزئيات بشكل منفرد. هذا بالاعتماد على أن المقاومة الكهربية  للجزئيات تعتمد على اتجاه الروابط وبالتالي تمكنوا من وضع الاسس اللازمة للحصول على  مفاتيح كهربية switch من  الجزئيات يمكن استخدامها في الكمبيوترات البيولوجية.
   وفي نهاية هذا المقال أتمنى أن أكون قد قدمت شرحا مبسطا لفكرة عمل جهاز STM والذي  يستخدمه الكثير من الباحثين في مختلف التخصصات وللعديد من الاغراض.
   أرجو نشر هذا المقال لتعم الفائدة على الجميع مع العلم بان الأجر والثواب ينالك إذا  تم النقل بحفظ حقوق الكاتب والمصدر.
   مع خالص التحية والاحترام
   دكتور حازم فلاح سكيك
   www.hazemsakeek.com
 
 
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق