ميكروسكوب القوة الذرية
Atomic force microscopy (AFM)
جهاز ميكروسكوب القوة الذرية
ميكروسكوب القوة الذرية Atomic Force Microscope (AFM ) او ميكروسكوب القوة الماسحةScanning Force Microscopy (SFM ) هو ميكروسكوب ذو قدرة تحليلية عالية وهو احد انواع ميكروسكوبات المجسات الماسحة والذي تحدثنا عن واحد منها وهو الميكروسكوب النفقي الماسح STM في مقال سابق. ولكن هذا الميكروسكوب له قدرة تحليل تصل الى اجزاء من النانومتر حيث انه يفوق حد تكبير الميكروسكوبات الضوئية بأكثر من 1000 مرة. ويعتبر هذا الميكروسكوب متطورا عن الميكروسكوب النفقي الماسح STM. اخترع ميكروسكوب القوة الذرية AFM العالمين Quate و Gerber في العام 1986. وتوفر اول جهاز للاستخدام في المختبرات العلمية في العام 1986. ويعتبر هذا الميكروسكوب الاكثر شهرة كأداة تكبير وقياس وتحريك على المستوى النانوي.
وحديثاً تمكن علماء فيزيائيون في جامعة اوساكا في اليابان من استخدام ميكروسكوب القوة الذرية AFM في التعرف على هوية التركيب الكيميائي وتحديد نوع كل ذرة ومكان تواجدها على المخطط ثلاثي الابعاد لتضاريس سطح المادة على المستوى الذري. وقد اكتشف هؤلاء العلماء ان التفاعلات تشكل بصمة ذرية لتمييز الذرات باستخدام ميكروسكوب AFM.
في هذا المقال من كيف تعمل الاشياء سوف نلقى الضوء عن هذا الجهاز التدقيق وكيف يعمل واهم الاستخدامات التي يمكن ان يقوم بها جهاز ميكروسكوب القوة الذرية.
المبدأ الاساسي
يتكون ميكروسكوب القوة الذرية AFM من ذراع cantilever في نهايته مجس probe مكون من رأس حاد يعرف بالـ tip يستخدم لمسح سطح العينة. تكون الذراع مصنوعة من مادة السليكون او نيتريد السيليكون بنصف قطر في حدود بضع نانومترات. عندما يقترب رأس المجس من سطح العينة تتولد قوة بين رأس المجس وسطح العينة تؤدي هذه القوة الى انحراف في الذراع بناء على قوة هوك. وقد تكون القوة المتبادلة قوة ميكانيكية او قوة فاندرفال او أو قوة شعرية قوة كهروستاتيكية او قوة مغناطيسية أو قوة رابطة كيميائية او قوة كزيمار او غيرها من انواع القوة وهذا حسب نوع السطح الذي يتم دراسته. كما يمكن دراسة العديد من انواع هذه القوة باستخدام مجسات خاصة وعندها يسمى الميكروسكوب باسمها مثل ميكروسكوب القوة المغناطيسية magnetic force Microscope (MFM) او ميكروسكوب المسح الحراري scanning thermal microscopy أو غيره. وفي كل هذه الميكروسكوبات تحدث القوة المتبادلة باختلاف انواعها انحراف في ذراع ميكروسكوب القوة الذرية يقاس هذا الانحراف بواسطة انحراف شعاع ليزر عن مرأة مثبتة على ذراع الميكروسكوب. وشعاع الليزر المنعكس يرصد على مصفوفة خطية من الفوتودايود. Photodiodes. وهناك طرق اخرى لقياس الانحراف مثل مقياس التداخل الضوئيoptical interfermetry، او باستخدام بيزوالكترك او مجس سعة كهربية. وحسب طريقة قياس الانحراف يتم تصميم ذراع الميكروسكوب فمثلا لو كانت طريقة القياس تعتمد على الكهرباء الانضغاطية (بيزوالكتروك) فان الذراع تصنع من مواد بيزوالكتروك. ولكن تعتبر طريقة قياس الانحراف بشعاع الليزر الطريقة الادق والاكثر استخداما.
مخطط توضيحي لفكرة عمل ميكروسكوب القوة الذرية
اذا تم مسح المجس عند ارتفاع معين من سطح العينة فقد يكون هناك خطورة على المجس بان يصطدم بالسطح، ولتجنب حدوث هذا يتم استخدام تغذية عكسية للتحكم في المسافة بين المجس وسطح العينة لتحافظ على القة المبتادلة بينهما ثابتة. ويتم تثبيت العينة على قاعدة من مادة بيزوالكترك تحرك العينة في الاتجاه z للحفاظ على قيمة ثابتة للقوة المتبادلة بين المجس وسطح العينة وكذلك تحريك العينة في البعدين x و y. وهناك انواع اخرى من ميكروسكوبات القوة الذرية تستخدم 3 بلورات بيزوالكتريك كل بلورة مسئولة عن اتجاه من اتجاهات الحركة الثلاثة. وفي التصاميم الحديثة يتم تثبيت الذراع على ماسح بيزوالكتريك افقي في حين يتم تحريك العينة فقط في الاتجاهين x و y. وفي النهاية نحصل على خريطة لمساحة تمثل طبوغرافيا سطح العينة.
صورة توضح ذراع AFM ويبلغ عرضه 100 ميكروميتر ويمكن ان يصل الى 20 ميكروميتر او اقل.
يمكن تشغيل ميكروسكوب القوة الذرية AFM بعدة انماط تشغيل وهذا حسب الاستخدام المطلوب ونوع الفحص المراد. وبصفة عامة يمكن تقسيم انماط التشغيل بنوعين هما نمط التشغيل الاستاتيكي او نمط الاتصال والنوع الثاني هو نمط التشغيل الديناميكي او نمط عدم الاتصال.
انماط التشغيل واخذ الصور Imaging Modes
ذكرنا ان هناك نمطين اساسيين من انماط تشغيل جهاز AFM وهما النمط الاستاتيكي والذي يتم فيه سحب الذراع عبر سطح العينة ويتم مباشرة قياس تضاريس السطح من خلال الانحرافات في الذراع. والنمط الديناميكي يكون الذراع يتذبذب بالقرب من السطح عند تردد رنيني resonance frequency. ويتم قياس التردد والسعة والطور وتردد الرنيني من خلال القوة المتبادلة بين المجس وسطح العينة. هذه التغيرات في التردد بالنسبة لتردد المرجعي يعطي معلومات عن خصائص العينة.
النمط الاستاتيكي او نمط الاتصال Contact Mode
في هذا النمط يستخدم الانحراف في رأس المجس كإشارة للتغذية العكسية ولان قياس الاشارة في هذا النمط يتعرض للضجيج يتم استخدام ذراع اقل صلابة لتكبير مقدار اشارة الانحراف. ويقرب المجس من سطح العينة بحيث يحدث قوة تنافر تنتج عن الالكترونات على سطح العينة والكترونات المجس. ويتم الحفاظ على ثبات مقدار القوة التنارية هذه اثناء المسح من خلال المحافظة بقاء الانحراف ثابتاً.
النمط الديناميكي او نمط عدم الاتصال Non-contact Mode
نمط عدم الاتصال في ميكروسكوب القوة الذرية
في هذا النمط لا يكون المجس متصلا مع سطح العينة. بل يكون الذراع متذبذب عند تردد اكبر بقليل من تردد الرنين حيث تكون سعة الذبذبة في حدود بضع نانومتر (اقل من 10 نانومتر). وتكون القوة المتبادلة بين المجس وسطح العينة هي قوة فاندرفال van der Waalsوهي تكون مسيطرة عند تلك المسافة أي في حدود 1 الى 10 نانومتر فوق سطح العينة، وهذه القوة تعمل على تقليل تردد الرنين للذراع. هذا الانخفاض في تردد الرنين يستخدم في نظام التغذية العكسية الذي يقوم بالحفاظ على جعل سعة الاهتزازة ثابتا من خلال اعادة ضبط المسافة بين المجس والسطح. وبقياس المسافة بين المجس والسطح اثناء المسح في الاتجاهين x,y يتم رسم الصورة لطبغرافية سطح العينة باستخدام برامج معدة لذلك.
في هذا النمط لا يتعرض رأس المجس لأي ضرر لا نه لا يحتك مع سطح العينة مثلما يحدث مع النمط السابق. وهذا يجعل من نمط التشغيل الديناميكي مفضل اكثر وخصوصا في حالة التعامل مع العينات اللينة. ولكن في حالة العينات الصلبة فان الصور التي تؤخذ بكلا النمطين تكونا متماثلتين. ولكن اذا وجدت طبقة نانوية من مادة سائلة على سطح العينة فان النمطين سوف يعطيا صورا مختلفة بعض الشيء. لان المجس في النمط المتصل يخترق طبقة السائل ليعطي صورة للسطح الاسفل منها، في حين ان النمط غير المتصل سوف يتذبذب فوق السطح ويعطي صورة لكلا من السائل والسطح معا.
نمط النقر Tapping Mode
سلسلة بوليمر مفرد, (بسمك 0.4nm)، سجلت بنمط النقر Tapping mode في وسط مائي عند قيم pH مختلفة
في اغلب الاحيان تتكون طبقة مائية فوق سطح العينة. ولأننا نجعل رأس المجس قريب جدا من العينة للحصول على اشارة لمقياس القوة المتبادلة فانه من المحتمل ان يلتصق رأس المجس في العينة ولمنع هذا من الحدوث تم تطوير النمط الغير متصل بنمط النقر tapping mode وذلك للتغلب على هذه المشكلة.
في نمط النقر تتذبذب الذراع للأعلى والاسفل بالقرب من تردد الرنين وتكون سعة الذبذبة اكبر من 10 نانو متر حيث تتراوح بين 100 و200 نانومتر. ونظرا للقوة المتبادلة التي تؤثر على الذراع عند اقترابها من سطح العينة فان قوة فاندرفال او قوة ثنائيات القطب المتفاعلة او القوى الكهروستاتيكية تتسبب في تغير في سعة الذبذبة وتقل كلما اقترب رأس المجس من سطح العينة. يتم التحكم بارتفاع الذراع بواسطة بيزوالكترك تعمل على ضبط ارتفاع الذراع اثناء مسح العينة. ويعتبر نمط التشغيل هذا نمط متطور عن نمط عدم الاتصال.
عرض يوضح فكرة عمل ميكروسكوب القوة الذرية بالأنماط المختلفة
قياس انحراف ذراع ميكروسكوب القوة الذرية
قياس انحراف الشعاع في جهاز AFM
ينعكس شعاع ليزر دايود على الجانب الخلفي للزراع ويتم التحكم فيه من خلال كاشف حساس للموضع position sensitive detector(PSD) يتكون من فوتوديودين موضوعين بالقرب من بعضهما البعض والمخرج من كل فوتودايود موصل في مكبر differential amplifier. الازاحة الزاوية للذراع تجعل احد الديودين يلتقط اشارة اكبر من الديود الاخر. وهذا يعطي اشارة تتناسب مع انحراف الذراع. وتصل حساسية الجهاز الى كشف انحراف اقل من 10 نانومتر. ويمكن تكبير التغير في زاوية الشعاع بزيادة طول مسار شعاع الليزر بضع سنتيمترات.
عرض يوضح عمل ميكروسكوب القوة الذرية
مطياف القوة Force Spectroscopy
بالإضافة الى استخدام ميكروسكوب القوة الذرية في الحصول على صور على المستوى الذري يستخدم الميكروسكوب في تحليل القوة، فعلاقة قياسات القوة بين رأس المجس وسطح العينة كدالة في المسافة بينهم نحصل على نتائج تعرف باسم منحنى القوة والمسافةforce-distance curve. في هذه الطريقة يتم مد رأس المجس وسحبه عن سطح العينة اثناء مراقبة انحراف الذراع كدالة في ازاحة البيزوالكتريك. هذه الوظيفة استخدمت في قياسات على المستوى النانوي مثل الروابط الذري وقوى فانردفال وقوى كايسمر وقوى التحلل في السوائل والجزيئات المفردة وقوى التمدد والتمزق. وهذه القوة صغيرة جدا في حدود البيكونيوتن piconewton ولا يمكن قياسها باي جهاز اخر والان اصبح قياسها بجهاز AFM وعلى وبدقة تحليلية تصل الى 0.1 نانومتر. يمكن الحصول على قياسات مطياف القوة في كلا نمطي التشغيل الاستاتيكي والديناميكي.
التعرف على الذرات وتميزها
صورة بلورة كلوريد صوديوم بواسطة ميكروسكوب القوة الذرية
يستخدم مقياس القوة الذرية AFM للحصول على صور للذرات ولتحريكها ايضا على اسطح المواد. فالذرة على رأس المجس تتحسس الذرات ذرة ذرة على سطح العينة وتشكل قوة كيميائية مع كل ذرة. ولان هذه التفاعلات تغير بشكل دقيق تردد اهتزاز رأس المجس، فإنها يمكن ان تقاس وترسم. وعلى هذا الاساس تم التميز بين ذرات السليكون والتن والرصاص على سطح سبيكة، من خلال مقارنة البصمات الذرية وتكبيرها. حيث تم ملاحظة ان رأس المجس يتفاعل مع ذرات السليكون بقوة في حين يتفاعل مع ذرات التن والرصاص بقوة اقل. ولهذا فان الذرات المختلفة يمكن ان تتميز في صورة مصفوفة اثناء مرور رأس المجس على سطح العينة.
المزايا والعيوب
ميكروسكوب القوة الذرية AFM له عدة مزايا عن الميكروسكوب الالكتروني الماسح SEM. كما انه ليس مثل الميكروسكوب الالكتروني الماسح الذي يوفر صور ثنائية الابعاد فميكروسكوب القوة الذرية يعطي صور ثلاثية الابعاد للسطح، بالإضافة الى ان العينات لا تتطلب معاجلة خاصة مثلما يحدث في الميكروسكوب الالكتروني كتغطيتها بالكربون او الذهب وهذا يفسد العينة, كما ان الميكروسكوب يعمل في الظروف العادية في حين ان الميكروسكوب الالكتروني يتطلب ان يعمل في الفراغ. وهذا جعل ميكروسكوب القوة الذرية جهازا لدراسة الخلية الحية. وميكروسكوب القوة الذرية يمتلك قدرة تحليلية عالية تفوق قدرة SEM وSTM.
اول ميكروسكوب قوة ذرية
ومن عيوب جهاز AFM بالمقارنة مع جهاز SEM هو حجم الصورة. فجهاز SEM قادرا على مساحة تصل الى بضع مليمترات وبعمق يصل الى بضع مليمترات الا ان جهاز AFM يعمل على مساحة 150x150 مايكرومتر وبعمق 10-20 ميكروميتر. ولكن هذا العيب تم التعامل معه من خلال تطوير اجهزة AFM بواسطة شركة IBM تعمل بمجسين متوازيين.
كما ان استخدام رأس مجس tip غير مناسب قد يعطي بعض العيوب في الصورة الناتجة. بالإضافة الى ان AFM يعمل ببطء بالمقارنة معSEM الذي يعطي صورة حية للعينة فان AFM يتطلب ان يعمل لبضعة دقائق حتى يعطي صورة. وهذا التأخير يؤدي الى انزياح حراري في الصورة مما يجعل ميكروسكوب القوة الذرية غير مناسب للقياسات الدقيقة للمسافات الطوبوغرافية على الصورة. ويتم تطوير اجهزة AFMللتغلب على هذه المشكلة بأجهزة تعرف باسم videoAFM والتي تعمل بسرعة فاقت سرعة SEM.
تتأثر صور AFM بالتخلف hysteresis في المواد البيزوالكتريك والتداخل في الاشارات الملتقطة لكل من x,y اثناء المسح ولكن هذا تم التغلب عليه باستخدام برمجيات متطورة وفلاتر خاصة او باستخدام ماسحات متعامدة منفصلة.
ماسح البيزوالكتريك Piezoelectric هو عبارة عن ماسح من مادة بيزوالكتريك وهي مواد تنضغط وتتمدد بتطبيق فرق جهد كهربي وهذه الخاصية تستخدم في تحريك رأس المجس على العينة بدقة عالية. وقد تم شرح فكرة عمل البيزوالكتريك في مقال كيف تعمل الكهرباء الانضغاطية.
في النهاية نلاحظ كيف ان الميكروسكوبات تختلف باختلاف الطريقة التي تقوم بها بالحصول على الصورة وفي هذا المقال قمنا بشرح فكرة مبسطة عن ميكروسكوب القوة الذرية والذي مكن العلماء من رؤية الذرات والتميز بينها والتحكم بها الذي فتح الباب امام تكنولوجيا النانو لتدرس المواد على المستوى الذري وفهم الكثير من خصائصها.
أرجو نشر هذا المقال لتعم الفائدة على الجميع مع العلم بان الأجر والثواب ينالك إذا تم النقل بحفظ حقوق الكاتب والمصدر.
مع خالص التحية والاحترام
دكتور حازم فلاح سكيك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق