عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (قال الله عز و جل: كل عمل بن آدم له إلا الصيام ؛ فإنه لي و أنا أجزي به، و الصيام جُنّة، و إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ،
و لا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم ،
والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، للصائم فرحتان يفرحهما , إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه)
رواه البخاري و مسلم.
يقول فضيلة الشيخ صالح الفوزان في شرح هذا الحديث :
الحمد لله : هذا حديث عظيم وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : « كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي و أنا أجزي به » فهذا الحديث فيه فضيلة الصيام و مزيته من بين سائر الأعمال و أن الله اختصه لنفسه من بين أعمال العبد ، و قد أجاب أهل العلم عن قوله : « الصوم لي و أنا أجزي به » بعدة أجوبة منهم من قال: أن معنى قوله تعالى: « الصوم لي و أنا أجزي به » إن أعمال ابن آدم قد يجري فيها القصاص بينه و بين المظلومين ، فالمظلومون يقتصون منه يوم القيامة بأخذ شيء من أعماله و حسناته كما في الحديث أن الرجل يأتي يوم القيامة بأعمال صالحة أمثال الجبال و يأتي و قد شتم هذا و ضرب هذا أو أكل مال هذا ، فيؤخذ لهذا من حسناته و لهذا من حسناته ، حتى إذا فنيت حسناته و لم يبق شيء ، فإنه يؤخذ من سيئات المظلومين و تطرح عليه و يطرح في النار إلا الصيام فإنه لا يؤخذ للغرماء يوم القيامة و إنما يدخره الله عز و جل للعامل يجزيه به و يدل على هذا قوله : « كل عمل ابن آدم له كفارة إلا الصوم فإنه لي و أنا أجزي به » أي أن أعمال بني آدم يجري فيها القصاص و يأخذها الغرماء يوم القيامة إذا كان ظلمهم إلا الصيام ، فإن الله يحفظه و لا يتسلط عليه الغرماء و يكون لصاحبه عند الله عز وجل ، و قيل أن معنى قوله تعالى : « الصوم لي وأنا أجزي به » أن الصوم عمل باطني لا يعلمه إلا الله سبحانه و تعالى فهو نية قلبية بخلاف سائر الأعمال فإنها تظهر و يراها الناس ، أما الصيام فإنه عمل سري بين العبد و بين ربه عز و جل و لهذا يقول : « الصوم لي و أنا أجزي به ، إنه ترك شهوته و طعامه و شرابه من أجلي » و كونه ترك شهوته و طعامه من أجل الله هذا عمل باطني و نية خفية لا يعلمها إلا الله سبحانه و تعالى ، بخلاف الصدقة مثلًا و الصلاة و الحج و الأعمال الظاهرة ، هذه يراها الناس أما الصيام فلا يراه أحد ؛ لأنه ليس معنى الصيام ترك الطعام و الشراب فقط أو ترك المفطرات لكن مع ذلك لا بد أن يكون خالصًا لله عز و جل ، و هذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى و يكون قوله: " إنه ترك… إلى آخره " تفسيرًا لقوله: « الصوم لي و أنا أجزي به » . و من العلماء من يقول أن معنى قوله تعالى: « الصوم لي و أنا أجزي به » أن الصوم لا يدخله شرك بخلاف سائر الأعمال فإن المشركين يقدمونها لمعبوداتهم كالذبح والنذر و غير ذلك من أنواع العبادة ، و كذلك الدعاء و الخوف و الرجاء فإن كثيرًا من المشركين يتقربون إلى الأصنام و معبوداتهم بهذه الأشياء بخلاف الصوم ، فما ذكر أن المشركين كانوا يصومون لأوثانهم و لمعبوداتهم فالصوم إنما هو خاص لله عز و جل فعلى هذا يكون معنى قوله : « الصوم لي و أنا أجزي به » أنه لا يدخله شرك لأنه لم يكن المشركون يتقربون به إلى أوثانهم و إنما يتقرب بالصوم إلى الله عز و جل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق