في الصباح الباكر ومع لسعات برد الخريف والشتاء اللاذعة يقف الأطفال في طوابير تشبه إلى حد كبير طوابير المساجين لإجبارهم على القيام بتمرينات هزيلة لم توضع من قبل متخصصين في البناء الجسدي ولم تفلح طيلة عقود في إعطاء الأجيال بنية رياضية سليمة، وحتى حصص الرياضة في أفضل حالاتها يتم فيها إطلاق سراح التلاميذ في الساحة ليجدوا (حكة بيبسي) تعيسة ليقوموا بترقيتها إلى مرتبة كرة قدم، وعلى نغمة صيحات (بعض) معلمات الرياضة يتظاهر التلاميذ بأداء تلك التمرينات الغبية وأغلبهم مازال الكرى يداعب عينيه نصف المقفلتين، يتبع ذلك ما يشبه عملية غسيل لأمخاخهم الطرية الصغيرة بإجبارهم على تحية علم لا يعرفون حتى رمزيته ويرددون تعهدات بحماية البلد وحاكمهم المظفر الذي تسري في عروقه دماء زرقاء توارثها تالدا عن تالد وحين يشبون قليلا عن الطوق يصفعهم الواقع المر بأن أغلب جيلهم ذو بنية كأنها لم تمر عليها الرياضة قط ولو مرور الكرام، وبأن كثيرا ممن تعهدوا بالولاء للوطن في طابور الصباح صاروا لصوصه بامتياز بعدما أتوا على الأخضر واليابس فيه وحتى على الأزرق، وبأن من اجتهد في الدراسة لم يجد وظيفة تسد رمقه الا بشق الأنفس وبأن من كان خائبا وبليدا صار من كبار أصحاب الأعمال وبأن ذلك الحاكم الذي تعلموا في طابور الصباح أنه هو من يحميهم تبين لهم أنه من يستعبدهم ويحثهم على تحمل الظروف في حين يعيش هو وحاشيته عيشة الاكاسرة والقياصرة.
في امريكا وأغلب دول العالم المتقدم لا يوجد في مدارسهم شيء اسمه طابور الصباح ولا تمارين الصباح ولا تمجيد لحاكم، ولكن توجد حصص رياضة حقيقية يتخرج منها كبار الرياضيين على مستوى الدولة، والتلميذ يتعلم حب الوطن والولاء له من تلقاء نفسه عندما يرى اثر نعمة الوطن على حياته وأسلوب عيشة، وعندما يكبر يتعلم أن لا قدسية لحاكم يكيل له المدح والتطبيل صباحا مساءً.
لدى العرب وزارات تعليم وتربية لم تنل من اسمها الجميل شيئا، فلا هي علمت الاجيال تعليما صحيحا ولا هي أفلحت في تربيتهم، فخرجت أجيال لا تقيم للأخلاق وزنا، ولا لاحترام الكبير قدرا، وكأن لديها دافعا مازوكيا في قرارة نفسها يدفعها دفعا الى تدمير الذات.
هذا واقعنا البائس بكل أسف واعذروني على الإطالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق