من ظن أن الأحزان تنتهي حينما نواري أحبتنا التراب بعد رحيلهم فهو واهم، فنحن في الحقيقة حينما ندفن أحبتنا ندفن معهم جزءاً من أرواحنا وسعادتنا لتظل حبيسة قبر صنعناه دون أن نشعر في قلوبنا، وما كان دفن أحبتنا إلا إيذانا بولادة حزن يبحث عن أحزان قديمة ظننا أننا نسيناها ليهيجها ويبعثها من مرقدها فتكوينا بنارها من جديد.
يُقال أن الزمن كفيل بنسيان فقدان الأحبة....... كم هي خداعة هذه العبارة، فموت من نحب لا يُنسى أبد الدهر، ولكنه يقبع في زاوية قصية من زوايا قلوبنا كأفعى استوطنت جحرا وتأبى الخروج، وتدأب على تسميم أرواحنا من الداخل بجرعات قاسية من الذكريات والألم الممض.
إن ذلك الألم الذي يأتي في فترة ما بعد مرور وقت المصيبة لهو أشد وأنكى من الألم في وقت حدوث المصيبة لأنك لا تجد من يؤازرك أو يخفف عنك أو يشعر بمصابك بعد مرور ردحٍ من الزمن، ولكن يبقى لدينا ذكر الله والدعاء للأحبة هو البلسم الوحيد لارواحنا المكلومة واثقين في أن الله عز وجل سيرحم دموعنا فيرحم من ذرفنا الدموع لأجلهم، فهو الرحيم الذي فاقت رحمته كل رحمة، ولا نملك حينها إلا أن نقول : اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، إن كنت أخذت فقد أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت، لك الحمد حمداً حمدا، ولك الشكر شكراً شكرا، ولا حول ولا قوة إلا بك.