هناك من الأشخاص من يحفرون اسمائهم عميقا في ذاكرة الناس لا لأعمال عظيمة ارتبطت بهم و لكن لمجرد حياة بسيطة عاشوها و رسموا البهجة على وجوه الناس دون قصد و من هؤلاء الناس اشتهر في طرابلس اشخاص نذكر منهم ....
نبتديء حديثنا بعلي الزاوي ( المريمي ) الذي اشتهر باسم روما و كان رجلا بسيطا يعيش في منزل صغير بالظهرة خلف روضة الزهور و يطل على شارع البلدية و لم يمتلك من حطام الدنيا الا بيته المتواضع و كلاب تعيش معه فيه يطعمها مما يأكل و لا يبخل عليها بشيء على فقره و سوء حاله , و كان روما يتجول في شوراع طرابلس في الامسيات بعضلاته المفتولة و قميصه غير المزرر غالبا و من حين الى اخر يطلق صيحة مدوية اشتهر بها كانت كافية لتبث الرعب فو اوصال البنات العابرات مع علمهن بأنه شخص ودود غير مؤذ و كنا نضحك لردة فعلهن و نناديه ( ايوا روما ) فيرد علينا بصيحة تفوق سابقتها في القوة .بعد وفاته كنا نرى كلابه و هي تجوب الشارع و تنام امام بيته كأنها تنتظر عودته ليطعها كما كان يفعل من قبل و لكن هيهات فقد ذهب روما و ذهبت معه نفحة من حكايا طرابلس القديمة .... رحمك الله يا روما وغفر لك
إذا ذكرنا شخصيات طرابلس الطريفة فلا بد ان نذكر ( رز ) و هو رجل ضئيل الجسم ولا نعرف عنه الا ان اسمه محمود و لا يعرف احد من اين ظهر و اين يسكن و لكن كل ما كنا نعرفه ان رز كان رجلا في الستينيات من عمره تقريبا ضئيل الجسم نحيفا بشكل غير عادي و يسير في شوارع طرابلس بخطوات سريعة و لا يتعب من كثرة المشي السريع الذي يضاهي ابطال ألعاب القوى في سرعته و كان دائم الغضب و الحنق بلا سبب نعرفه يسير و هو يشتم و يلعن اشخاصا غير مرئيين و أحيانا يتوقف و هو ينظر الى الفراغ و يتخاصم و يتجادل مع اللاشيء و كان الاطفال يلاحقونه و ينادونه من بعيد قائلين ( رووووز ) فيترك خصامه مع الشخص اللامرئي و ينقله الى اولئك الاطفال المشاكسين وهو يلاحقهم بخطواته السريعة و يلعنهم ولا يحول شيء بينه وبين الفتك بهم الا تفوقهم عليه في الجري , و استمر ظهور ( رز ) قرابة عشرة سنين ليختفي بعدها فجأة كما ظهر فجأة و لم نسمع عنه خبرا الى هذا الحين .... رحم الله هذا الرجل المسكين و غفر له ..
من شخصيات طرابلس الشهيرة ( عرادة ) و هو ايضا كان رجلا مسنا و يحمل على كتفه مسجل كاسيت ضخما و يلصقه على أذنه ويستمع الى محطات الراديو و احيانا كان يلصقه بأذنه و الجهاز مطفأ ً و يستمع الى اللاشيء و يتجول في شوارع طرابلس بلا كلل او ملل و كنا احيانا نراه في الصباح في سوق الجمعة و في المساء نجده يتجول في الظهرة او في شارع ميزران و نحار في عدم شعوره بالتعب .
من الشخصيات الغامضة الاخرى رجل اسمر البشرة في الخمسينيات من عمره تقريبا كان طويلا مفتول العضلات كأنه مصارع و كان يظهر غالبا في منطقة الظهرة و لا نعرف له سكنا و كان دائم الغضب و يشتم بصوت جهوري مرعب كل من يلقي به حظه العاثر في طريقه و كان احيانا يحمل هراوة ضخمة في يده يهدد بها المارة و لكن لم يدم ظهور هذا الرجل طويلا فبعد حوالي عامين اختفى دون ان نعرف احد عنه شيئا ....
احد شخصيات طرابلس كان رجلا مسنا لا نعرف اسمه و كان يتجول في الشوارع يطلب الاحسان من المارة و يتبعه عدد كبير من القطط و كان حينما يحصل على احسان كاف ٍ من العابرين يشتري خبزا و علبة تن و يفترش الارض على الرصيف و ياكل و يطعم معه تلك القطط التي وجدت فيه قلبا رحيما افتقده كثير من البشر ....
اخر تلك الشخصيات التي اذكرها رجل شهير باسم ( كررررش ) و لم يعرف احد اسمه او اين يسكن و لكنه كان غالبا يتجول في الظهرة و فشلوم و الدهماني كانت له هواية وحيدة و هي انه في اوقات خروج الاطفال من مدارسهم كان يفاجئهم بان يمسك من يجده غافلا غير منتبه من أذنه و يصيح فيها قائلا ( كرررش ) فيفر الاطفال من أمامه مذعورين و هم يتضاحكون و هم ينادونه عمي كررررررش .
سقى الله تلك الايام البسيطة حينما كانت الدنيا لا تزال بخير و القلوب صافية و رحم الله اولئك المساكين الذين رسموا البهجة على وجه كل من عرفهم من أهالي طرابلس .